تهدئة أم تهرئة ؟

بالأمس القريب كانوا يعتبرونه خائنا وبائعا للأرض والقضية من يطالب بوقف إطلاق الصواريخ والمورتر ويدعو لإعلاء المصالح الوطنية العليا، والتهدئة والالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع حكومة إسرائيل، أما اليوم فإنهم يحشدون آلاف علامات الاستفهام في وجه من يطلق صاروخا أو قذيفة مورتر، فليتنا نعرف موقف الجمهور الذي كان يحشد ويعبئ ويمشي تظاهرات ضد سياسة السلطة الوطنية في المسيرات بعد صلوات الجمعة ؟! فنحن مع تهدئة وحياة كريمة لأهل البلد، لكنا ضد تهرئة وعي أبناء البلد، ففيما ينعم سكان 'سديروت' بالهدوء، يفقد رصاص التدريب وانفجاراته المفاجئة بجوار بيوتنا نعمة الراحة للمرضى، ولنسائنا اللواتي كلما سمعن أوات طلقات بالجوار يهرعن ويتعثرن بالخوف على أبنائهن وبناتهن الصغيرات، فمن حقنا نحن أبناء البلد الإحساس بنعم التهدئة، أليس كذلك؟!. باتفاقية التهدئة يعترفون بالحقيقة، وهي حسب تفسيرنا وفهمنا أنه منذ توقيع اتفاقيات السلام بين الأشقاء في المملكة الأردنية و جمهورية مصر العربية مع إسرائيل عم الهدوء الجبهات، وصمتت الفوهات النارية منذ ذلك الحين ولم يحدث أن انقلب طرف عليها، ووراء ذلك إرادة سياسية وحزم والتزام من الأطراف جميعها في احترام وتنفيذ اتفاقيات السلام ؟! أما ماكينة ' دعاية الجماعة ' فقد ظلت تبرر عدم التزامها باتفاقيات السلطة الفلسطينية مع إسرائيل بحجة أن ' اليهود ' لا يحفظون عهدا ولا ميثاقا، وعندما استلموا السلطة بقوة السلاح اتفقوا على التهدئة مع ' حكومة اسرائيل ' أي 'حكومة الدولة اليهودية'. نحترم حق كل إنسان باختيار عقيدته، ولا حق لنا بالتمييز بين إنسان وآخر على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو اللون، وعلى الإنسانية إنهاء عملية إصباغ الصراعات بالدين والعقائد، وتسويقها على أنها صراع حضارات. يجب أن نصرخ بصوت عال في وجه من حول امة الإنسان الى ما دون امة الوحش : ' كفى' فقد استوليتم على عقولنا وثقافتنا مئات القرون، أما اليوم فقد تبين لنا الرشد من الغي، وأدركنا غاية ' صناع الموت ' كفى،. فقد آن الأوان لتنقية ذاكرة البشرية من حشو العدائية وكراهية وتقديس سفك الدماء الإنسان بدعوى التقرب إلى الله. استغفر الله العظيم '.الثورة، النضال، الكفاح، الجهاد، المقاومة، الصمود، والممانعة، الحرب، السيف، والبندقية مصطلحات نبيلة حرفها محترفون لمآربهم، فصنعوا من عظام الضحايا سلالم ليصلوا إلى كرسي الحكم والنفوذ والسلطان، وباعوا جماجم الفقراء والبسطاء والمساكين للمختبرات الإقليمية والدولية، ونجحوا بتدوير ماكينة دعاية ودعوة للموت والقتل مشبعة بإغراءات ومشحونة بإثارة تكفي لتحقيق اندفاع حسب الحاجة إلى ميادين المواجهات الحربية حيث يسفك فيها دم الإنسان ويهدر.لم تنز'ل السماء السيوف، ولا قدست فوهات البنادق والمدافع، فالسيوف الحادة تقطع أوردة وشرايين الحياة الواصلة بين دماغ الإنسان وقلبه فترديه، لكنها لا تصنع حدودا بين الحق والباطل والخير والشر كما يفعل العالم بالكلمة وبالقلم، وكذلك رصاص البنادق فإنه يفتح في أجساد أبناء آدم جروحا لا تبرأ، أما العقلاء النبلاء من أبناء آدم وحواء فإنهم بريئون من فوهات لفظها النار واللهب، وحديثها الرصاص، فلسان عالم بالحق والخير والسلام والجمال والمنطق قد يفتح أبواب قلاع انهزمت عند أسوارها الجيوش.